خروج بني إسرائيل من مصر: بين تأكيد الكتب السماوية ونفي الأدلة الأثرية



في ذلك الإحتفال المهيب الذي بصدد أن يحدث في مصر خلال الأيام القليلة القادمة وهو " نقل المومياوات الملكية " إلى متحف الفسطاط والذي سيضم العديد من مومياوات ملوك مصر العظام أمثال الملك مرنبتاح إبن الملك رمسيس الثاني والذي إقترن إسمه دائما بحادثة خروج بني إسرائيل من مصر، وقد روج قديماً أن رمسيس الثاني ثم مرنبتاح هم فراعنة الخروج، لكن مع ظهور المزيد من أبحاث علم الآثار وخاصة ما ذكره عالم الآثار اليهودي " إسرائيل فلنكشتاين" من جامعة تل أبيب في كتابه المثير للجدل "التوراة اليهودية مكشوفة على حقيقتها"، والذي استغرق أكثر من عشرة سنوات بحث وتنقيب في سيناء والعمارنة وإسرائيل،مستخلصاً بعض الحقائق الصادمة. 


لا وجود تاريخي للشعب اليهودي في مصر


”لا يوجد أي ذكر لاسم إسرائيل في أي من النقوش أو الوثائق المرتبطة بفترة الهكسوس، ولا ذكر لإسرائيل في النقوش المصرية التالية، ولا في الأرشيف المسماري الذي يعود للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، والذي تم اكتشافه في تل العمارنة في مصر، والذي تصف حوالي 400 رسالة فيه ـ بالتفصيل ـ الظروف السكانية والسياسية والاجتماعية في كنعان في ذلك الوقت، بدأ ظهور الإسرائيليين بشكل تدريجي، كمجموعة متميزة في كنعان في نهاية القرن الثالث عشر قبل الميلاد فقط، وليس هناك أي دليل آثاري مقبول يثبت حضور الإسرائيليين في مصر مباشرة قبل ذلك الوقت." 


هذا ما قاله  فلنكشتاين مؤكداً أن حادثة الخروج ليس لها أي سند تاريخي أو أثري، ويؤكد على أنه من غير المعقول أن تغفل حضارة مصر القديمة حادثة كهذه دون تدوين، فوجود الشعب اليهودي في مصر هو محل تشكيك من قبل علماء الآثار المعاصرين . 


" ليس لدينا أي فكرة، ولا حتى كلمة واحدة، حول الإسرائيليين الأوائل في مصر، لا في النقوش التذكارية على حيطان المعابد، ولا في نقوش القبور، ولا في أوراق البردى، إسرائيل غائبة، سواء كخصم محتمل لمصر، أو كصديق، أو كأمة مستعبدة، وببساطة، لا توجد هناك أي اكتشافات في مصر يمكن ربطها بفكرة مجموعة عرقية أجنبية متميزة كما يفهم ضمنياً من القصة التوراتية التي تتكلم عن بني إسرائيل." 

 إذ لم يعثر على أية قطعة أثرية تؤكد وجود شعب آخر غير المصريين على أرض مصر في أي عصر من عصورها، ناهيك عن عدم وجود دليل أثري يوضح وجود جماعة بشرية مرت من سيناء وهي مكان الخروج المزعوم حيث أن الطريق العسكري في شمال سيناء كان محمياً من القوات المصرية بواسطة سلسلة من الحصون والتي من السهل قمع أي ثورات واستعادة سيطرتها.  


"تبدو عديد من الإشارات الأخرى، سواء الأدبية أو الأثرية، مشيرة إلى أنه في القرن الثالث عشر قبل الميلاد كانت قبضة مصر على كنعان أقوى بكثير من أي وقت مضى." 


الجدير بالذكر أنه في زمن قصة الخروج المزعوم في التوراة وهو القرن الثالث عشر قبل الميلاد ، تبين الأدلة الأثرية في منطقة العمارنة أن مصر كانت تحكم قبضتها على جميع أراضي كنعان . فكيف يخرج الشعب هرباً من مصر ليجدهم في كنعان؟ 

يروي لنا العالم الأثري زمن كتابة القصة قد حدث في النصف الثاني من القرن السابع أو الأول من القرن الثامن قبل الميلاد، حيث توضح العديد من الاشارات في القصة من أماكن وأحداث غير موجودة سوى في تلك الحقبة الزمنية . 

 

تواجد مصري على أرض الميعاد

 

 هناك أدلة أثرية يرجع تاريخها إلى عشرينات القرن الماضي وجدت في منطقة بيت شان جنوب الجليل ، تتمثل في أبنية وتماثيل وفناءات وأنصاب كتب عليها باللغة الهيروغليفية تعود لعهد الملك سيتي الأول، الملك رمسيس الثاني،والملك رمسيس الثالث. كما إحتوت مدينة مجدو الكنعانية على آثار للملوك المصريين في عصور متأخرة مثل تماثيل للملك رمسيس السادس الذي حكم في نهاية القرن الثاني عشر أي بعد فترة طويلة من غزو بني إسرائيل المزعوم.



تحطيم أسطورة أرض الميعاد 


“ ظهر الإسرائيليون الأوائل في حوالي 1200 ق.م، كمربي ماشية ومزارعين في التلال، كانت ثقافتهم ثقافة عيش بسيطة، هذا أكثر ما نعرفه عنهم."

  هكذا قال فلنكشتاين عن وجود بني إسرائيل في أرض كنعان، حيث أكدت الأدلة الأثرية الموجودة من أواني فخارية وكتابات وعبادة الإله يهوه نفسه الذي لدى الكنعانيين داخل إسرائيل مما يؤكد أن بني إسرائيل هم قبائل منبثقة عن الكنعانية،وان ما ميزهم عن باقي القبائل الكنعانية الأخرى هو امتناعهم عن أكل لحم الخنزير فقط.

مركزية القدس 


"أكثر التقييمات تفاؤلا لهذا الفقدان لأي دليل عن آثار تعود للقرن العاشر ق.م، هو أن أورشليم لم تكن في تلك الفترة أكثر من مجرد قرية مرتفعات نمطية صغيرة.


أما فيما يتعلق بمدينة القدس، باعتبارها مدينة محورية في اليهودية وباقي الديانات السماوية،فإن فلنكشتاين يشكك في وجود الملك داوود مؤسس المدينة، ومن ثم إبنه سليمان باني الهيكل، حيث أخفقت جميع عمليات التنقيب في أورشليم عن وجود أي مظاهر للحياة أصلاً أثناء القرن العاشر قبل الميلاد. 


كتابة التوراة 


يقسم عالم الآثار إسرائيل القديمة ( أرض كنعان) إلى مملكتين الأولى في الجنوب وهي مملكة يهوذا، والثانية في الشمال وهي مملكة إسرائيل . ويؤكد على أن التوراة قد كتبت في بداية القرن الثامن قبل الميلاد على يد أهل مملكة الجنوب " يهوذا".لذلك فقد احتوت نصوص التوراة على تمجيد مملكة الجنوب والنيل من مملكة إسرائيل التي دمرت على يد الآشوريين.


" إن المملكة الشمالية لإسرائيل ظهرت كحالة متطورة بالكامل في وقت باكر، ليس بعد بدايات القرن التاسع ق.م، في وقت لم يتغير فيه مجتمع واقتصاد يهوذا إلا تغيراً قليلاً عن أصوله كقرى مرتفعات بسيطة، كل هذا أيضاً تدعمه السجلات التاريخية."

 

كما يذكر أن انقسام بني إسرائيل للملكتين كان لأسباب طبيعية وليس له أي علاقة بالدين إذ أن انهيار مملكة إسرائيل في الجنوب لم يكن سببه عدم اتباع تعاليم التوراة وإنما لتمتع الأخيرة بالمال والثروة مما أدى لإحتلالها من آشور بينما بقيت مملكة يهوذا لأنها فقيرة ومهملة . كما لم يكن هناك إتحاد بين المملكتين في أي وقت من تاريخ إسرائيل القديمة.


الكتاب ملئ بالتفاصيل المثيرة والصادمة الأخرى والتي لا يسعنا الحديث عنها هنا، لكن بلا شك يظل أحد أهم أهداف الكتاب من وجهة نظري هو محاولة فصل الأسطورة عن التاريخ الواقعي، وفي خضم ذلك وجدنا أن أرض كنعان بممالكها وحكامها وشعبها  ما هي مقاطعة تابعة الإمبراطورية المصرية القديمة.